هل سنقول وداعا للذكريات المؤلمة ؟
توصّل الباحثون إلى طريقةٍ جديدةٍ ومثيرةٍ قد تفيد في معالجة الشِدّة والتوتر التالييَن للصدمة النفسية، بالإضافة إلى بعض الاضطرابات المتعلّقة بالذاكرة؛ ألا وهي التعرّض لغاز الكزينون، لكن وقبل التعرف على التجارب التي أُجريت واحتمال نجاحها لدى البشر، دعونانتعرف كيف يمكن التأثير على الذاكرة؟
في كلّ مرةٍ يتم استدعاء ذكرى ما، فإن الدماغ يتعامل معها كأنها ذاكرةٌ جديدةٌ تتشكل الآن، وهنا يمكننا أن نتدخّل لنعاكس هذه الخطوة ونمنع تثبيت هذه الذاكرة وبالتالي إزالتها. تدعى هذه العمليّة reconsolidation (التعديل على الذاكرة أثناء استدعائها).فهل يمكن للكزينون أن يقوم بهذه المهمّة؟
وهنا بدأت التجارب، فقد تمّ تدريب مجموعة من الفئران لتشكيل الخوف لديها عند تعرضها لموقفٍ ما، حيث قام العلماء بتشغيل نغمة موسيقية مع تعريض الفئران لصدمة كهربائية خفيفة في نفس الوقت، وهكذا ارتبط الاستماع لهذه النغمة لدى الفئران مع شعور خوف دائماً (أي تشكّلت ذاكرة مرتبطة بانفعال معيّن) وهذا ما يعرف بالشدة التالية للصدمة النفسية.والآن دور تطبيق الغاز، تمّ تشغيل النغمة الموسيقية لاستدعاء تلك الذاكرة المرتبطة بالخوف عند الفئران، وتم تطبيق الكزينون مباشرة وقياس درجة الخوف لديها، فلاحظوا أن الخوف تناقص مع تطبيق الغاز لدرجة لم تعد تشعر هذه الفئران بالخوف لدى استدعاء تلك الذاكرة.
لكن ما الذي يميز غاز الكزينون عن المواد الأخرى، وما الذي دعا العلماء إلى التفكير فيه دون سواه؟
إن غاز الكزينون يلعب دوراً قافلاً لمستقبلات NMDA والتي تلعب دوراً في تشكيل الذاكرة في الدماغ. و إضافة إلى ذلك، فطبيعته الغازية تمكنه من العبور بسرعة إلى الدماغ، وبالتالي فهو مناسب لعمليّة حيوية تتم بسرعة فائقة كاستدعاء الذاكرة.
هذا على مستوى الفئران، فما الذي يدعو للتفاؤل في حال تطبيقه لدى البشر؟لا يوجد مضارٌّ من استخدام غاز الكزينون على البشر، فهو يستعمل في بعض الأحيان للتخدير. لكن، هل سيكون له نفس التأثيرات التي ظهرت على الفئران لدى تطبيقه على البشر؟ هل سيستطيع محو الألم والأسى الذي ينتج عن بعض المواقف التي مررنا بها من خسارة شخص مقرّب أو الفشل في الامتحان أو الكوابيس؟ هل سيستطيع محو الذكريات القديمة؟ إذ أنّ التجارب تمّت على أساس ذكرياتٍ ليست بالقديمة جداً.
هذه بعض الشكوك والأسئلة المهمة والتي يسعى العلماء – من خلال أبحاثهم القادمة – لإيجاد إجابات دقيقة لها في محاولة لتقديم علاج جديد سيشكل ثورة في هذا المجال. فهل سيأتي يومٌ لا نخشى فيه من ذاكرة قاسيةٍ مريرة؟